بقلم / د. سعد الدين إبراهيم .. السيد البدوي ... ويحيا الوفد، ولو فيها رفد

السيد البدوي ... ويحيا الوفد، ولو فيها رفد!

د. سعد الدين إبراهيم

semibrahim@gmail.com

إن جزءاً من الحِراك السياسي الذي تشهده مصر في الآونة الأخيرة، هو انتعاش حزب الوفد، في ظل قيادة جديدة، ومنتخبة بالإرادة الحُرة، لأعضاء الهيئة الوفدية العُليا، التي تمثل البرلمان الداخلي للحزب. وينبغي على القوى السياسية الأخرى في مصر، بما فيها الحزب الوطني الحاكم، بزعامة الرئيس مُبارك، الاحتفاء بهذا الانتعاش، الذي طرأ على حزب الوفد، والذي يُبشر باستعادة مصر لديمقراطية تعددية حقيقية، بعد غياب تجاوز ستة عقود.

إن المُخضرمين، من أبناء مصر، يتذكّرون جيداً، أن كل أسرة مصرية متوسطة الحجم والحال، لا بد وأنها كانت تحتوي على عنصر وفدي. بل وكان معظم من يعملون في أجهزة الدولة المصرية، وفديون، جهراً أو سراً. وكان بعض من يجهرون بذلك، يتعرضون للإيذاء، بواسطة حكومات الأقلية، التي كان يدعمها الإنجليز أو القصر الملكي، خلال العقود الأربعة الفاصلة بين ثورتي 1919 و 1952. بل وكان هذا الإيذاء نفسه، وراء الهتاف الذائع الصيت في تلك العقود الخوالي، والذي كان يُردده كثير من موظفي الدولة في المُظاهرات، وهو "يحيا الوفد ولو فيها رفد"!

طافت بذاكرتي تلك الخواطر، حينما رأيت في الصُحف المصرية، صورة كل من د. محمود أباظة الرئيس السابق، ود. السيد البدوي، الرئيس اللاحق لحزب الوفد، وهما يتعانقان، بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها قطبا الحزب. وأعاد ذلك المشهد الأمل لملايين المصريين في الداخل والخارج في أن بلدهم على أعتاب تعددية ديمقراطية جديدة. إنني لا أعرف د. السيد البدوي شخصياً. بينما أعرف د. محمود أباظة، والذي كان أسوة بابن عمه د. إبراهيم الدسوقي أباظة، عضواً في مجلس أمناء مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية. ومثل كل من تناوبوا على مجلس أمناء ذلك المركز، عرفت د. محمود أباظة، ديمقراطياً ليبرالياً أصيلاً. فبرغم ما كان وما زال يتعرض له المركز من تضييق وإيذاء على أيد الأجهزة الأمنية، فقد أبى الرجل إلا أن يدعو زملائه الأمناء والعاملين بالمركز إلى قريته ومنزل أسرته العريق بمحافظته الشرقية، عام 1999. ولذلك لم يكن مُستغرباً من محمود أباظة أن يتصرف بتلك الروح الرياضية في المُنافسة الانتخابية الشريفة على زعامة الحزب، منذ عدة أسابيع.

ومن كل ما سمعته أو قرأته عن د. سيد البدوي، وخاصة من رجل الأعمال المهندس رامي لكّح، فإنه يبدو كخير خلف لخير أسلاف عظام ـ من سعد زغلول، إلى مصطفى النحاس، إلى فؤاد سراج الدين. وأتطلع لمُناسبة التقي به فيها لقاءاً شخصياً، عما قريب، بإذن الله.

إن المشهد الانتخابي الشفاف، داخل حزب الوفد، والعناق بين أباظة والبدوي، كان وراء رغبة مئات من المصريين الذين صادفتهم في الخارج لمعرفة المزيد عن الحزب، والانضمام إليه.

ولا شك أن الرئيس الجديد لحزب الوفد يعلم علم اليقين أن كثيرين ممن كانوا وفديين ـ كأعضاء أو مُريدين ـ وانصرفوا عنه، بعد رحيل فؤاد باشا سراج الدين، وإبراهيم باشا فرج، قد فعلوا ذلك ضيقاً بالخلافات والصراعات، ويأساً من حسمها بوسائل سلمية متحضرة. ولكن هؤلاء ما يزالون في أعماق أعماقهم وفديون.

إن بعض من انصرفوا عن الوفد في السنوات العشر الأخيرة، قد حاولوا تكوين أحزاب جديدة، أو انضموا إلى أحزاب قائمة. وأظن أن معظمهم لم يجدوا ضالتهم المنشودة خارج حزب الوفد. أنهم بمثابة "الطيور الشاردة" عن السرب الوفدي الأصلي. ويفعل خيراً، الزعيم الجديد لحزب الوفد، إذا بادر بدعوة تلك الطيور الشاردة للعودة إلى سربها الوفدي الأصيل. فقد اكتشفوا أنه من الصعب أن يسمع أحد تغريدهم، خارج السرب الوفدي.

وإذا كان لي أن أقترح اقتراحاً مُحدداً للسيد البدوي، من منفاي خارج حدود الوطن، فهو أن يبدأ عهده الجديد، بدعوة د. أيمن نور، إلى العودة إلى حزبه الأصلي. إن الرجل ورفاقه في حزب الغد، ممن أعرفهم شخصياً، هم "وفديون" بالهوى، أو بالميراث الأسري. وهو ما ينطبق تماماً على أيمن نور نفسه. فقد كان والده وأعمامه وفديون. وكان أحدهم مُرشحاً في أخر انتخابات خاضها حزب الوفد، في أحد دوائر الدقهلية، قبل ثورة يوليو 1952.

وكما عرفت د. محمود أباظة من خلال عضويته كأحد أمناء مركز ابن خلدون، فكذلك عرفت د. أيمن نور. وكما قمنا بزيارة د. محمود أباظة في معقله ودائرته بمحافظة الشرقية، فقد قمنا بزيارة أيمن نور، في معقله ودائرته الانتخابية في حي "باب الشعرية" العريق، بمحافظة القاهرة. وأشهد بأن أيمن نور هو من أكثر أبناء جيله وعياً، وحركة، وقدرة على تعبئة الجماهير، وتحفيزها للمشاركة في العمل العام. وهو بهذا المعنى وفدي وطني أصيل. ففي تاريخ الحركة الوطنية المصرية المُعاصرة، لم تتوفر إمكانيات المصداقية والتعبئة والحركة إلا لكل من حزب الوفد وحركة الإخوان المسلمين. وليست فقط مُجرد صُدفة أن الوفد قد ولد مع ثورة 1919، وولدت حركة الإخوان بعده بتسع سنوات (1928). إن صمود الوفد والإخوان على الساحة المصرية، لما يُقارب قرن من الزمان، رغم كل مل تعرضا له من حصار وتضييق وتنكيل، لهو دليل على أصالتها في الوجدان الشعبي والضمير الجمعي لمصر المحروسة، فأشهد يا زمان. لذلك أدعو أيضاً الحركات الشبابية الجديدة، بما فيها 6 أبريل، وكفاية والأقباط في الداخل والخارج، وجبهة إنقاذ مصر للتجاوب مع حزب الوفد في ظل مبادئه الجديدة.

وعلى الله قصد السبيل